صياغة دبلوماسية الطهي

حوار صحفي


 

حوار مع الشيف دومينيكو ماجي

ولد شيف دومينيكو ماجي عام 1953، وبدأ رحلته في الطهي عندما كان عمره 15 عامًا. ومع عضويته في اتحاد الطهاة الإيطاليين (FIC) التي يعود تاريخها إلى عام 1968، تركت براعة ماجي في الطهي علامة لا تُمحى في المطاعم والفنادق في جميع أنحاء إيطاليا، وىسويسرا والمملكة المتحدة.

شغل الشيف دومينيكو منصب قائد فريق الطهي الوطني الإيطالي من عام 1997 إلى عام 2000، وقد ساهمت مهاراته القيادية وبراعته في الطهي بشكل كبير في نجاح الفريق. إن الاعتراف العالمي بدوره كسفير للطهي الإيطالي يتحدث كثيرًا عن التزامه بتعزيز التراث الغني للمطبخ الإيطالي، على نطاق دولي.

ومع مسيرة مهنية مثيرة للإعجاب في مجال الطهي تمتد لأكثر من أربعة عقود، أصبحت خبرة دومينيكو مطلوبة في جميع أنحاء العالم. من مشاهد الطهي النابضة بالحياة في الصين والولايات المتحدة والبرازيل وأستراليا إلى مختلف أنحاء أوروبا، قام بحماس بالترويج لنكهات المطبخ الإيطالي، وأسر الجماهير بفنونه الطهوية.

إن الأوسمة المرموقة التي حصل عليها في مسابقات الطهي العريقة، شهدت على مدى تفانيه وتميزه، سواء داخل إيطاليا أو على الساحة العالمية. وهو يشغل حاليًا منصب المستشار الإيطالي لأكاديمية وورلد شفس، كما أنه عضو فخري مدى الحياة في منظمة وورلد شفس. ويواصل الشيف دومينيكو نقل خبراته وثروته من المعلومات إلى الطهاة الطموحين، ويستكمل مسيرته في تشكيل مستقبل التعليم الطهوي.

أجرت الحوار: أمل بسالي

ما هي بعض التجارب أو المعلمين الرئيسيين الذين أثروا في رحلتك الطهوية خلال سنوات تكوينك؟

Chef Domenico Maggi

خلال سنوات تكويني في فنون الطهي، كنت محظوظًا بلقاء تجارب ومعلميين محوريين ساهموا في تشكيل رحلتي بشكل كبير. عندما كنت في الخامسة عشرة من عمري، بدأت تعليمي الطهوي في كلية للكترينج حيث التقيت بمعلم، على الرغم من صرامته، إلا أنه يمتلك قلبًا هائلًا وشغفًا لا حدود له لهذه المهنة. لقد وضعت توجيهاته الأساس لتفانيي في تحقيق التميز. بالإضافة إلى ذلك، قادتني رحلتي المهنية إلى ميلانو، حيث حظيت بشرف العمل تحت إشراف شيف يتمتع بعمق ثقافي ملحوظ. لم يغرس في نفسي مهارات الطهي فحسب، بل غرس فيّ أيضًا تقديرًا أوسع للفنون والثقافة، حيث ناقش موضوعات تخص الموسيقى والمسرح والدراما. ومن الجدير بالذكر أنه كان أول شيف في إيطاليا يظهر على شاشات التلفزيون في عام 1970. وتحت وصايته، تعلمت الأهمية العميقة للإثراء الثقافي في مجال الطهي.

كيف ساهم كونك عضوًا في اتحاد الطهاة الإيطاليين منذ عام 1968 في تشكيل مسيرتك كشيف؟

كان الانضمام إلى اتحاد الطهاة الإيطاليين في سن السادسة عشرة بمثابة لحظة محورية في رحلتي الطهوية. إن كونك جزءًا من هذه الجمعية الموقرة يوفر فرصًا لا تقدر بثمن للنمو والتطور. لقد أتاحت لي العضوية إمكانية الوصول إلى مجتمع نابض بالحياة من زملائي الطهاة، مما عزز الروابط والتعاون الذي أثرى منظوري الطهوي. لقد عرّفتني فعاليات الجمعية التي حضرتها والتجمعات الدولية على تقاليد وتقنيات الطهي المتنوعة من جميع أنحاء العالم، مما وسع آفاقي في الطهي. لقد كانت المشاركة في المسابقات الدولية بمثابة تحول خاص، حيث أتاحت لي عرض مهاراتي وإبداعاتي على الساحة العالمية.

ولم تقتصر هذه المسابقات على مجرد الحصول على الميداليات أو السفر إلى الخارج، بل قدمت تجارب تعليمية لا تقدر بثمن، حيث تبادلت المعرفة والتقنيات مع الطهاة الموهوبين من خلفيات مختلفة. في جوهر الأمر، كوني عضوًا في اتحاد الطهاة الإيطاليين منذ عام 1968 كان له دور فعّال في تحولّي إلى الشيف الذي أنا عليه اليوم.

لقد عملت في مطاعم وفنادق في جميع أنحاء إيطاليا وسويسرا والمملكة المتحدة. كيف أثر التعرض لبيئات الطهي المتنوعة على أسلوبك في الطهي؟

بعد أن حظيت بشرف العمل في المطاعم والفنادق في جميع أنحاء إيطاليا وسويسرا والمملكة المتحدة، تعرفت على نسيج غني من تقاليد وثقافات الطهي. لقد أثرت هذه التجربة المتنوعة بشكل عميق على أسلوبي في الطهي بعدة طرق. أولاً، كشيف، من المهم جدًا تقدير وفهم الفروق الدقيقة في ثقافات الطهي المختلفة، خاصة عند تقديم الطعام لمجموعة متنوعة من العملاء. سواء كنت في مطعم مزدحم أو فندق راقٍ، فإن التعرف على تفضيلات وأذواق الزبائن من مختلف الجنسيات أمر بالغ الأهمية.

علاوة على ذلك، كان لهذا التعرض دورًا أساسيًا في تشكيل نهجي تجاه الابتكار والإبداع في المطبخ. أقوم بدمج عناصر المطبخ الكلاسيكي والنكهات والاتجاهات في أطباقي، مستلهماً في ذلك مجموعة واسعة من تقاليد الطهي. إن فهم أسس أساليب الطهي المختلفة يسمح لي بإضفاء العمق والأصالة على إبداعاتي، مع تجاوز حدود التقنيات التقليدية أيضًا لخلق تجارب طهي جديدة ومثيرة.  

Chef Domenico Maggi

يُعد العمل كقائد لفريق الطهي الوطني الإيطالي من عام 1997 إلى عام 2000 إنجازًا رائعًا. ما هي بعض أبرز التحديات والأحداث التي واجهتها خلال فترة ولايتك؟

كان العمل كقائد لفريق الطهي الوطني الإيطالي من عام 1997 إلى عام 2000 بمثابة رحلة رائعة مليئة بالأحداث البارزة والتحديات. كان أحد أهم التحديات هو تعزيز ديناميكية الفريق المتماسك، مع الاعتراف بأن النجاح لا يعتمد على البراعة الفردية بل على الجهد الجماعي. يجب ألا يكون كل عضو في الفريق ماهرًا فحسب، بل يجب أيضًا أن يكون ملهمًا وملتزمًا بالعمل الجماعي. إن نهجي في القيادة ركز على المناقشة المفتوحة والتعاون، فأنا أستمع إلى وجهات نظر مختلفة، ونناقش ما سنقدمه، وكيفية تقديمه، لأنه عندما يكون لديك وجهات نظر مختلفة، في النهاية، تصل إلى التوازن المطلوب. وهذا هو مفتاح النجاح.

وشكّل العثور على الدعم المالي، وتأمين الجهات الراعية لتسهيل السفر الدولي تحديًا كبيرًا آخر. ومع ذلك، بالعزيمة التي لا تتزعزع، والرؤية المشتركة، تغلبنا على هذه العقبات. وفي نهاية المطاف، يكمن مفتاح نجاحنا في قدرتنا على مواجهة التحديات معًا، مُتحدين بهدف مشترك، ويغذيه شغفنا بالتميز في الطهي.

كيف تعتقد أن دورك القيادي ساهم في نجاح الفريق وفي الترويج للمطبخ الإيطالي على الساحة العالمية؟

من خلال دوري القيادي، أعتقد أن فهم الشخصيات المتنوعة ونقاط القوة لدى الشيفات في فريقي كان أمرًا بالغ الأهمية لنجاحنا. كقائد، من الضروري تسخير المواهب الفريدة لكل فرد، وتعزيز بيئة حيث يمكن للجميع أن يزدهروا ويساهموا بأفضل ما لديهم. كان هدفنا الأساسي هو عرض ثراء المطبخ الإيطالي، وتسليط الضوء على مكوناتنا وتقاليد الطهي لدينا على منصة عالمية. في منظمة وورلد شفس، نريد أن نحتفل بالنكهات والهويات المتنوعة للفرق المشاركة، وتعزيز التبادل الثقافي والتقدير. من خلال القيادة بنهج متوازن وشغف مشترك بالمطبخ الإيطالي، أعتقد أن فريقنا قدم مساهمة كبيرة في الترويج والاعتراف بتراثنا الطهوي على الساحة الدولية.

يُعد الاعتراف بك عالميًا كسفير للمطبخ الإيطالي شرفًا كبيرًا. كيف تتعامل مع هذا الدور، وما هي الرسائل الرئيسية التي تهدف إلى نقلها حول المطبخ الإيطالي؟

إن الترويج لوطن المرء يجعلك تحمل مسؤولية كبيرة. عندما تدافع عن شيء متأصل بعمق في حياتك، مثل الطعام والنكهات، فإن ذلك لا يقتصر على مجرد تمثيل دور ما، بل أنت تصبح بطل الرواية. وهذا ينبع من الإيمان الحقيقي بما تفعله، والالتزام الصادق من القلب. الفخر الأصيل بمطبخك وثقافتك ونكهاتك يظهر بوضوح، مما يتردد صداه لدى جمهورك. إن الطهي بشغف لا يقتصر فقط على المكونات؛ لكن يتعلق الأمر بدمج كل طبق بقطعة من قلبك. وهذا الشغف يكون واضح لدى الضيوف، حيث أنهم لا يستمتعون بتجربة الوجبة فحسب، بل يخوضون رحلة من الحب والتفاني من خلال كل قضمة.

Chef Domenico Maggi

لقد حصلت على جوائز مرموقة في مسابقات الطهي سواء في إيطاليا أو في الخارج. كيف يجب أن يستعد المتنافسون للمسابقات، وما الذي يميز إبداعاتهم الطهوية في نظرك؟

يتطلب التحضير لمسابقات الطهي أكثر من مجرد مهارات الطهي؛ فهو يتطلب تخطيطًا دقيقًا وتنفيذًا منضبطًا. نصيحتي للمتنافسين الطموحين هي أن يتعرفوا أولاً بشكل كامل على قواعد المسابقة من خلال حضور الندوات أو الدورات التدريبية. إن فهم توقعات لجنة التحكيم أمر ضروري لتحقيق النجاح. تعتبر المسابقات، في جوهرها، تجارب تعليمية قيمة، حيث تُقدم رؤى حول معايير واتجاهات الطهي.

إن الانضباط هو حجر الزاوية في فترة الإعداد. إن التدريب والممارسة المنتظمين، ومن الأفضل أن يكون ذلك ضمن إطار جماعي، يسمح للشيفات بتحديد الأخطاء وتصحيحها. من المستحسن أن تتدرب مع شخص يقدم انتقادات بناءة بدلاً من مجرد التشجيع، حيث إن التعليقات والآراء الصادقة لا تُقدر بثمن من أجل تحسين الأداء.

وتشمل الاعتبارات الأساسية عند تخطيط الطبق اختيار أفضل المكونات، وتخطيط الوصفات، وتجهيز الأدوات والمعدات اللازمة. تُعد النظافة وممارسات الصحة العامة والالتزام بقواعد سلامة الأغذية أمرًا بالغ الأهمية، وكذلك تقليل هدر الطعام وإعطاء الأولوية للاستدامة. كما تُعد الإدارة الفعالة للوقت أمرًا بالغ الأهمية لضمان تنفيذ جميع مكونات الطبق، بشكل لا تشوبه شائبة، خلال الإطار الزمني المُخصص للمسابقة. وفي نهاية المطاف، فإن الإعداد الدقيق والاهتمام بالتفاصيل هو ما يميز إبداعات الطهي في المسابقات، مما يمهد الطريق للنجاح وتحقيق الفوز.

بصفتك مستشار المطبخ الإيطالي في أكاديمية “وورلد شفس”، ما هو دورك في تشكيل التعليم الطهوي، وكيف تساهم في تطوير الشيفات الطموحين؟

بعد أن عملت كمدرس في كلية الطهي لمدة 41 عامًا، شهدت بنفسي الأهمية القصوى للتعليم في تشكيل محترفي الطهي. تفتخر إيطاليا بنظام تعليمي قوي يضم مؤسسات حكومية وخاصة، إلى جانب العديد من الأكاديميات والمدارس. ومن المؤسف أن هذه البنية التحتية الشاملة ليست متاحة للجميع في جميع أنحاء العالم. وإدراكًا لهذا التفاوت، اتخذت منظمة “وورلد شفس” خطوات استباقية من خلال إنشاء “أكاديمية وورلد شفس” – وهي مبادرة رائدة متاحة عبر الإنترنت.

تمثل “أكاديمية وورلد شفس” مشروعًا تحويليًا، حيث تقدم للأفراد الفرصة لتعزيز معلوماتهم ومهاراتهم في مجال الطهي، بالسرعة التي تناسبهم. ويضمن منهجها المنظم بدقة، فهمًا شاملاً لأساسيات مهنة الطهي، بغض النظر عن الموقع الجغرافي. تعتبر سهولة الإتاحة هذه جديرة بالملاحظة بشكل خاص، لأنها تمكن الشيفات الطموحين من خلفيات متنوعة من متابعة شغفهم وتطلعاتهم في مجال الطهي، بغض النظر عن ظروفهم. 

كيف ترى تطور مستقبل التعليم الطهوي، وما هي النصيحة التي توجهها للشيفات الشباب الذين يلتحقون بهذا المجال؟

بالنسبة للطهاة الشباب الذين يشرعون في رحلتهم في قطاع الضيافة، أقدم هذه النصيحة: في حين أن مهنتنا تواجه تحديات مثل ساعات العمل المرهقة، والجهد البدني الكبير والوقوف لفترات طويلة، فإنها توفر أيضًا فرصًا لا مثيل لها للنمو والإنجاز. كن مطمئنًا، فإن منظمات مثل وورلد شفس تعمل بنشاط على معالجة مخاوف الصناعة، بما في ذلك تنظيم أفضل لساعات العمل، لتعزيز التوازن الصحي بين العمل والحياة.

تظل فنون الطهي واحدة من أكثر المهن مكافأة، حيث يُترجم شغفك بالطهي مباشرة إلى تجارب لا تُنسى للضيوف. وفيما وراء المطبخ، تفتح مهنتنا الأبواب أمام الاستكشاف العالمي، مما يسمح للشيفات بالسفر حول العالم، ورؤية بلدان أخرى وثقافات أخرى. اغتنم هذه الفرصة للتعلم والاكتشاف، ودع حبك للطهي يُرشدك في رحلة غير عادية في عالم الضيافة.

كان لك دور في الترويج للمطبخ الإيطالي في مختلف البلدان. كيف ترى الطعام كأداة للدبلوماسية الثقافية، وما تأثيره، في رأيك، على العلاقات الدولية؟

يُعد الغذاء بمثابة أداة قوية للدبلوماسية الثقافية، وسد الجسور بين الأمم وتعزيز التفاهم من خلال تجارب الطهي المشتركة. وتُشكّل صناعات الأغذية والضيافة مكونات أساسية في الهوية الثقافية والاقتصاد لكل بلد. وبالتالي، من الضروري الترويج لتراثنا الطهوي في الخارج، والتأكد من أن العالم يكتشف ويقدّر كنوزًا مثل جبن البارميزان وزيت الزيتون البكر الممتاز.

علاوة على ذلك، يلعب الغذاء دوراً محورياً في العلاقات الدولية، وغالباً ما يكون بمثابة خلفية للمفاوضات الدبلوماسية الهامة. على مر التاريخ، تم إبرام معاهدات واتفاقيات السلام على موائد الطعام المشتركة، مما يسلط الضوء على القوة الموحدة للطعام. ويتحمل الشيفات، على وجه الخصوص، مسؤولية حيوية في ضمان سلامة الغذاء، حيث أن أي خطأ في هذا الصدد يمكن أن يهدد العلاقات، ويؤدي إلى تعقيدات دبلوماسية.

في جوهر الأمر، من خلال الترويج لتقاليدنا الطهوية، فإننا لا نعرض ثقافتنا للعالم فحسب، بل نساهم أيضًا في تعزيز العلاقات الدولية الإيجابية المرتكزة على التقدير المشترك للطعام والضيافة.

Please wait...

Thank you!

Please wait...

شكرا!!